Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
المغرب اليوم
8 avril 2007

عمر بن عبد العزيز



حدود الخلافة الأموية
تبوأ الخليفة عمر بن عبد العزيز مكانة سامقة في تاريخنا الإسلامي لم ينلها إلا الأفذاذ من القادة والفاتحين، والجهابذة من أئمة العلم، والعباقرة من الكتاب والشعراء. ويزداد عجبك حين تعلم انه احتل هذه المكانة بسنتين وبضعة أشهر قضاها خليفة للمسلمين، في حين قضى غيره من الخلفاء والزعماء عشرات السنين دون أن يلتفت إليهم التاريخ؛ لان سنوات حكمهم كانت فراغا في تاريخ أمتهم، فلم يستشعر الناس تحولا في حياتهم، ولا نهوضا في دولتهم، ولا تحسنا في معيشتهم، ولا إحساسا بالأمن يعم بلادهم.
وهذا يجعلك تؤمن بان القادة والزعماء يدخلون التاريخ بأعمالهم التي تغير تاريخ أمتهم لا بالسنوات التي عاشوها يحكمون؛ فالخليفة العباسي الناصر لدين الله قضى ستا وأربعين سنة في منصب الخلافة (575هـ- 622هـ= 1179-1225م)، ومضى دون أن يحفر لنفسه مكانا في تاريخ أمته، في الوقت الذي قضى فيه سيف الدين قطز سلطانا في مصر نحو عام، نجح أثناءه في إلحاق اكبر هزيمة بالمغول في عين جالوت، وإعادة الثقة في نفوس المسلمين، ثم قضى نحبه على أيدي شركائه في النصر، بعد أن جذب الانتباه إليه، ونظر إليه الجميع بكل إعجاب وتقدير، وكان دوره التاريخي -على قصر فترته الزمنية- كبيرا وباقيا.
وكان عمر بن عبد العزيز واحدا ممن دخلوا التاريخ بأعماله العظيمة وإدارته العادلة للدولة، حتى تجدد الأمل في النفوس انه بالإمكان عودة حكم الخلفاء الراشدين واقعا ملموسا لا قصصا تروى ولا أماني تطلب ولا خيالا يتصور، بل حقيقة يشهدها الناس، وينعمون بخيرها.
واحتاج عمر بن عبد العزيز لإحداث هذا التغيير في حياة الأمة إلى ثلاثين شهرا، لا الى سنوات طويلة، ولهذا دلالته ؛ حيث ان الامة كانت حية نابضة بالإيمان، مليئة بالرجال الذين يجمعون -الى جانب الصلاح- القدرة والكفاءة، ولو كانت الامة مجدبة من أمثال هؤلاء لما استطاع عمر ان يقوم بهذا الاصلاح العظيم في هذه الفترة القصيرة، وسنحاول في هذا العدد رصد التغيير الذي أحدثه عمر بن عبد العزيز في حياة أمته.

المولد والنشأة

في المدينة المنورة ولد لعبد العزيز بن مروان بن الحكم ولد سماه عمر، على اسم جده عمر بن الخطاب، فأم عمر بن عبد العزيز هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب. ولا يعرف على وجه اليقين سنة مولده؛ فالمؤرخون يتأرجحون بين أعوام 59 هـ، 61هـ، 62هـ، وان كان يميل بعضهم الى سنة 62هـ، وأيا كان الأمر، فقد ولد عمر بن عبد العزيز في المدينة، وبها نشا على رغبة من أبيه الذي تولى إمارة مصر بعد فترة قليلة من مولد ابنه، وظل واليا على مصر عشرين سنة حتى توفي بها (65هـ- 85هـ= 685-704م).
وفي المدينة شب الفتى النابه بين أخواله من أبناء وأحفاد الفاروق عمر، واختلف الى حلقات علماء المدينة، ونهل من علمهم، وتأدب بأدبهم، وكانت المدينة حاضرة العلم ومأوى أئمته من التابعين، ومن طال عمره من الصحابة؛ فروى عن انس بن مالك، وعبد الله بن جعفر بن ابي طالب، وسهل بن سعد، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وابي سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر.
ثم انتقل عمر بن عبد العزيز من مرحلة التلقي والسماع الى التحديث والرواية بعد ان رسخت قدمه في العلم، وتتلمذ على أئمة الحديث والفقه. وكان ممن روى عن عمر بن عبد العزيز من التابعين: ابو بكر بن حزم، ورجاء بن حيوة، والزهري، وأيوب السختياني وغيرهم.
وبعد مرحلة طلب العلم استدعاه عمه الخليفة عبد الملك بن مروان الى دمشق حاضرة دولته، وزوجه ابنته فاطمة، ثم عينه واليا على امارة صغيرة من اعمال حلب، وظل واليا عليها حتى توفي عبد الملك بن مروان سنة (86هـ=705م).

والي المدينة
ولما تولى الوليد بن عبد الملك الخلافة بعد ابيه سنة (86هـ=705م) عين ابن عمه عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة خلفا لواليها السابق هشام بن اسماعيل المخزومي، وكان هشام قد اساء السيرة في أهلها؛ فرغبوا عنه، ولم يرضوه حاكما عليهم، وقد استقبل أهل المدينة الوالي الجديد استقبالا حسنا؛ فهم يعرفون خلقه وفضله منذ أن نشا بينهم، واحسنوا الظن فيه؛ فلم يخيب آمالهم، وبادر الى العمل الجاد، واختيار معاونيه من خيرة الرجال، وأفضلهم قدرة وكفاءة، وكان من بينهم شيوخه: عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، فجمعهم، واخبرهم بسياسته وطريقته في الحكم، وقال لهم: إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعوانا على الحق. ما اريد ان اقطع امرا الا برأيكم او برأي من حضر منكم؛ فان رأيتم أحدا يتعدى، أو بلغكم عن عامل ظلامة، فأحرج بالله على من بلغه ذلك الا ابلغني.
وفي فترة ولايته نعمت المدينة بالهدوء والاستقرار، وشعر الناس بالأمن والعدل، وقام بتجديد المسجد النبوي وتحسين عمارته، ثم عزله الخليفة الوليد عن ولايته سنة (93هـ= 711م) بعد ان ظل على المدينة ست سنوات، ولم يكن عزله عن تقصير وإهمال او تقاعس عن مباشرة احوال الناس المدينة، ولكن عزل بسبب وشاية استجاب لها الوليد، فأخرجه من منصبه، فعاد عمر الى الشام، ولم يتول منصبا.
وظل عمر بن عبد العزيز حتى وفاة الوليد بن عبد الملك سنة (96هـ= 714م) في الشام، فلما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة من بعده أبقى على عمر، ولم يوله منصبا، وجعله في بلاطه مستشارا وناصحا، ومعاونا له وظهيرا؛ فلما حضرته الوفاة أوصى له بالخلافة من بعده؛ لما رأى فيه من القدرة والكفاءة، والتقوى والصلاح، والميل الى الحق والعدل؛ فتولاها في سنة (101هـ= 719م)

في منصب الخلافة

اجتمع لعمر بن عبد العزيز من الصفات والمواهب ما جعله خليفة قديرا نادر المثال، ينهض بمسئوليته على خير وجه، وشاء الله ان يعتلي منصب الخلافة والدولة في أوج قدرتها وعظمتها، بعد ان مرت بفترات عاصفة، وأوقات حرجة، وفتن مظلمة، وثورات مدمرة، لكن الدولة تجاوزت تلك المخاطر، وفرضت هيبتها وسلطانها؛ فعاد الامن والاستقرار، واستؤنف الفتح الاسلامي، وضمت الدولة الى اراضيها بقاعا شاسعة في الشرق والغرب، وحسبك ان تعلم ان عمر بن عبد العزيز ولي منصبه وجيوش مسلمة بن عبد الملك تحاصر القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية؛ فكان استقرار الدولة من اسباب ظهور اثر اصلاحات عمر، وسياسته الحكيمة، وادارته العادلة.
وكان عمر اداريا عظيما، الى جانب صلاحه وتقواه، وزهده وورعه، وهو ما امتلأت به كتب السير والتراجم حتى كادت تطغى هذه الأخبار على ملامح شخصيته الثرية بجوانبها الأخرى.

سياسته الداخلية

وقبل ان يلي عمر بن عبد العزيز الخلافة تمرس بالإدارة واليا وحاكما، واقترب من صانعي القرار، وراى عن كثب كيف تدار الدولة، وخبر الأعوان والمساعدين؛ فلما تولى الخلافة كان لديه من عناصر الخبرة والتجربة ما يعينه على تحمل المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، وأضاف الى ذلك ان ترفع عن أبهة الحكم ومباهج السلطة، وحرص على المال العام، وحافظ على الجهد والوقت، ودقق في اختيار الولاة، وكانت لديه رغبة صادقة في تطبيق العدل.
وخلاصة القول ان عمر بن عبد العزيز لم يكن رجل زهد وولاية وجد نفسه فجأة خليفة؛ بل كان رجل دولة استشعر الأمانة، وراقب الله فيما أوكل إليه، وتحمل مسؤولية دولته الكبيرة بجد واجتهاد؛ فكان منه ما جعل الناس ينظرون إليه بإعجاب وتقدير.
وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد، ومعرفة كاملة بأخلاقهم وقدراتهم؛ فلا يلي عنده منصبا إلا من رجحت كفته كفاءة وعلما وايمانا، وحسبك ان تستعرض اسماء من اختارهم لولاياته؛ فتجد فيهم العالم الفقيه، والسياسي البارع، والقائد الفاتح، من امثال ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، امير المدينة وقاضيها، والجراح بن عبد الله الحكيمي، امير البصرة، وكان قائدا فاتحا، واداريا عظيما، وعابدا قائدا، والسمح بن مالك امير الاندلس، وكان قائدا فذا، استشهد على ارض الاندلس، وكان باقي ولاته على هذه الدرجة من القدرة والكفاءة.
وكان عمر لا يكتفي بحسن الاختيار بعد دراسة وتجربة، بل كان يتابع ويراقب، لكن مراقبته لم تكن مراقبة المتهم، بل كان يراقب تطبيق السياسة العامة التي وضعها للدولة.
واذا كان قد اخذ نفسه بالشدة والحياة الخشنة، فانه لم يلزم بها ولاته، بل وسع عليهم في العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق، وتصرفهم عن الانشغال باحوال المسلمين، كما منعهم من الاشتغال بالتجارة، واعطى لهم الحرية في ادارة شئون ولاتهم؛ فلا يشاورونه الا في الأمور العظيمة، وكان يظهر ضيقه من الولاة اذا استوضحوه في الأمور الصغيرة.. كتب اليه احد ولاته يستوضح منه امرا لا يحتاج الى قرار من الخليفة، فضاق منه عمر، وكتب اليه: اما بعد، فأراك لو ارسلت إليك ان اذبح شاة، ووزع لحمها على الفقراء، لارسلت الي تسالني: كبيرة أم صغيرة؟ فان اجبتك ارسلت تسال: بيضاء ام سوداء؟ اذا ارسلت اليك بامر، فتبين وجه الحق منه، ثم امضه.
_________________
Publicité
Commentaires
Publicité
Derniers commentaires
المغرب اليوم
Publicité